في مدرسة المصطفى ... قف وتعلم
أعجبني ما سطره الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه القيم " خلق المسلم "، حيث ذكر صفات الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وممارساته أثناء اتصاله بالآخرين، مما جعله أقرب الناس إلى صحابته وأحسن الناس تأثيراً في الآخرين، فكان مما قال: كان رسول الإسلام بين أصحابه مثلاً أعلى للخلق الذي يدعو إليه، فهو يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامي بسيرته العاطرة قبل أن يغرسه بما يقول من حكم وعظات.
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: " خياركم أحاسنكم أخلاقاً ". (رواه البخاري)
وروى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال لي: أفٍّ قط، ولا قال لشيء لِم فعلت كذا ؟ وهلا فعلت كذا !!
وروى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه: إن كانت الأمة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت، وكان إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينـزع يده من يده حتى يكون الرجل ينـزع يده، ولا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه، ولم ير مقدماً ركبتيه بين يدي جليس له ، يعني أنه يتحفظ مع جلسائه فلا يتكبر.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " ما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط، إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم، وما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله تعالى ". (رواه مسلم)
وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية البرد من شدة جذبته، ثم قال: يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك! فالتفت إليه رسول الله، وضحك، وأمر له بعطاء. ( رواه البخاري)
وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه ".
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، وكان لي أخ فطيم، يُسمى أبا عُمير، لديه عصفور مريض اسمه النُّغير، فكان رسول الله يلاطف الطفل الصغير ويقول له: يا أبا عمير، ما فعل النغير.
والمعروف في شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان سمحاً لا يبخل بشيء أبداً، شجاعاً لا ينكص عن حق أبداً، عدلاً لا يجور في حكم أبداً، صدوقاً أميناً في أطوار حياته كلها.
قال القاضي عياض: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، لقد فزع أهل المدينة ليلة، فانطلق ناس قِبل الصوت، فتلقاهم رسول الله راجعاً، قد سبقهم إليه واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ والسيف في عنقه، وهو يقول: لن تراعوا.
وقال علي رضي الله عنه: إنا كنا إذا حمي البأس واحمرَّت الحدق نتقي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد أقرب إلى عدو منه.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا. وقد قالت له خديجة رضي الله عنها: " إنك تحمل الكَلَّ وتُكْسِب المعدوم، وتُعِينُ على نوائب الحق ".
وحُمل إليه سبعون ألف درهماً، فوُضِعَتْ على حصير، ثم قام إليها يقسمها، فما رد سائلاً، حتى فرغ منها.
وجاء رجل فسأله، فقال له: ما عندي شيء، ولكن ابتع عليَّ، فإذا جاءنا شيء قضيناه، فقال له عمر: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه! فكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالاً، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وعُرف البشر في وجهه، وقال: " بهذا أُمِرْتُ ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤلف أصحابه ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم، من غير أن يطوي عن أحد منهم بِشْرَه ولا خلقه.
يا من له الأخلاق ما تهوى العلا منها وما يتعشَّق الكبراء
زانتك في الخلق العظيم شمائـل يُغرى بهن ويولع الكرماء
هذا غيض من فيض شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذْ كان الرسول صلى الله عليه وسلم مدرسة في علم الاتصال بالناس وكسب الأنصار وتأليف القلوب، فما أحوج القادة والمفكرين والعلماء والدعاة، بل ما أحوج العالم، اليوم إلى التخلق بأخلاقه والتأسي بسيرته